nasra
عدد الرسائل : 23 تاريخ التسجيل : 19/09/2008
| موضوع: البكاء علي الفردوس المفقود الإثنين سبتمبر 22, 2008 5:41 pm | |
| خليل الجيزاوي
<table cellSpacing=0 cellPadding=0 align=top border=0><tr><td></TD></TR> <tr><td align=middle></TD></TR></TABLE> | يطرح الروائي هاني نقشبندي في روايته "سلاٌم" مسألة إعادة قراءة المجد العربي الغارب في الأندلس: ليس بغرض البكاء علي الفردوس المفقود، بل ضرورة مراجعة تلك الحقبة من التاريخ العربي والإسلامي، مراجعة موضوعية بعيدة عن رومانسية الحلم العربي بعودة الأندلس مرة أخري. أي أنه ينادي بضرورة إعادة قراءة التاريخ: لأن أسطورة الأندلس قصة عربية فاشلة امتدت تسعة قرون من عام 722 حتي عام 1609 ميلادية: حتي طارق بن زياد وقصة حرق السفن، والعدو من أمامكم والبحر من خلفكم، ليست سوي خرافة: لأن طارق بن زياد كان من أصول بربرية لا يجيد اللغة العربية، فكيف يخطب بالمسلمين وباللغة الفصحي، بل كانت السفن مؤجرة فكيف يحرقها؟!!! يقول الشيخ المغربي ابن برجان: (لم تكن هناك خطبة وإحراق السفن قصة وهمية، إذ تتداخل في تاريخنا الأسطورة بالحقيقة، لم يكن طارق عربيا ليلقي خطبة بالفصحي، وإنما هو بربري، كما أن السفن التي انتقل بها إلي الأندلس لم تكن سفنه، بل استعارها من حاكم القوط). نعم التاريخ كائن حيٌ، لكن لا أحد يقرأ التاريخ أو يستوعب دروسه المهمة، درس الزمن حكمة ننساها، وعبرة الأحداث درس نتجاهله: لذلك دائما .. دائما يقع الإنسان في شرور أعماله مرة تلو الأخري: لأنه لا يريد أن يتعلم من دروس التاريخ، أو يأخذ منها العظة والعبرة، بل يظل يلف ويدور في ساقية الحياة وأحداثها المكرورة وهو يبكي علي أطلال ماض لن يعود أبدا. تلك إحدي رسائل رواية (سلاٌم) التي تدعو إلي فهم وبعمق تجربة العرب في الأندلس، وبحيادية شديدة. هل نحن حقا كنا فاتحين مبشرين بالإسلام؟! أم غزاة محتلين راغبين في إقامة مجلك ودولة في الأندلس؟ بل لماذا طجرد العرب والإسلام من جنوب وغرب أوروبا وتحديدا من الأندلس؟ إنها الأرض الوحيدة التي دخلها الإسلام وطجرد منها. لماذا لم يجطرد الإسلام من باكستان وأفغانستان والهند وأندونسيا وماليزيا؟ ولماذا لم يجطرد الإسلام من تركيا ودول الاتحاد السوفيتي؟ نعم دخل العرب كل تلك البلاد فاتحين، وانتهي العرب، لكن الإسلام بقي، في الأندلس لم يبق لا العرب ولا الإسلام لماذا؟ لأننا لم نكن أكثر من محتلين، وطامعين في إقامة دولة جديدة لا أصحاب رسالة حقيقية. هل كان الطرح مختلفا بين دخول العرب والإسلام الأندلس؟ أم كان العيب والخطأ في التطبيق: ولهذا زالت دولة العرب من الأندلس، بل طجرد الإسلام أيضا وتحولت المساجد إلي كنائس، وأدمنا جلد أنفسنا ونحن نبكي علي ضياع الأندلس، الفردوس المفقود، الذي ضاع مع خلافات حكام دويلات الطوائف ووطأة صراعات حكٌامها الٌذين »لم يحافظوا علي مجلكهم كالرٌجال«. الرواية تعيد طرح هذه الإشكاليات وتدعو إلي ضرورة مراجعة دروس التاريخ، وتؤكد أهمية الحوار مع الآخر للتعايش بسلام. تثير رواية (سلاٌم) إشكالية كتابة التاريخ، بل تطرح قضية تزييف التاريخ وتحريفه من أجل تمجيد حاكم بعينه وإسباغ هالة من البطولة والعبقرية حوله أو تصويره بأنه رسول العناية الإلهية وأنه منقذ الشعوب والملهم الذي لا يخطأ أبدا، وبعد رحيل هذا الحاكم أو الانقلاب عليه يجوصف بتهم: الخائن والعميل والإمبريالي. كتب التاريخ مليئة بمثل هذه الأكاذيب والخرافات: لأنها كتبت بوجهة نظر المنافقين للحاكم وسطرت الكتب المدرسية ببطولات الزعيم المفدي: ليتم حشو عقول التلاميذ الصغار في المدارس الأولية بمثل هذه الأكاذيب. >>> رصد الكاتب أجواء روايته بمزج رائع بين واقع شخصيات الرواية وإعادة بث التاريخ من خلال أسطرة الواقع بحكايات غرائبية تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، ونجح الكاتب بالإمساك بتلابيب القارئ وبلغة شعرية جميلة موحية ووصف شائق لاهث حتي آخر سطر في الرواية، بل جعله يلهث معه حتي النهاية: ليعرف كيف تنتهي أحداث الرواية، وجاء وصف الكاتب سحر قصر الحمراء الأسطوري بأجزائه الثلاثة: (جنة العريف/ القلعة العسكرية/ قصر الحمراء) وصفا مشهديا شائقا حتي بدا المكان جنة الله علي الأرض وهذا ما جعل الأمير السعودي (بطل الرواية) يتشبث بقصر الحمراء ويتوق إلي بناء قصر مثله علي تلة الجبل التي اشتراها في مدينة الرياض بالسعودية: ليعيد تجسيد المجد العربي الغارب في الأندلس، حيث قال الأمير وهو يتفقد ملامح وتفاصل قصر الحمراء الساحر: (والله حرام ... لقد أضعنا كل هذا ...!). في الرواية يتماهي الواقعي مع التاريخي مع الأسطوري الغرائبي مع تساقط رذاذ الماء من نافورة حديقة قصر الحمراء حيث يتحول الماء المندفع من فم السباع إلي دم بني سراج أمراء بني الأحمر بعد أن قجطعت رءوسهم: (كان ينظر إلي الباب، ويصيخ السمع إلي صوت الماء الساقط من نافورة الحديقة، ويبحث عن صرخات تسبح في المكان، التفت إلي نافورة الماء، فتناهت إليه أصوات تشبه الترانيم: ( لا غالب إلا الله ... لا غالب إلا الله) إنها تعويذة القصر تصدح، التفت الأمير يبحث عن مصدر الأصوات، رآها تأتي من هناك، حيث الباب، يهتف بها اثنا عشر سيافا يسيرون تجاهه، كانت أصواتهم تعلو.. وتعلو، وفي لحظة تحولت إلي صرخات وصليل سيوف، وحين بات السيافون قريبين جدا من الأمير، تحولوا في طرفة عين إلي اثني عشر سبعا يحملون النافورة الرخامية). وراح الشيخ المغربي ابن برجان يحذر الأمير من إعادة بناء قصر الحمراء قائلا: (إن القصر يأبي أن يجقلده أحد. وإن لعنة تجصيب من يحاول أن يستنسخه، ولا ينبغي أن تبني قصرا يشبهه في الرياض)، فهل سيصاب الأمير بلعنة الحمراء التي تشبه لعنة الفراعنة التي يجصاب بها كل من ينتهك حجرمة موتاهم !!! يؤكد الشيخ المغربي: (الحمراء قصر شهد زوال مجلك ونعمة، سكنته اللعنة منذ الحجر الأول ومن يجقلده سيصاب بلعنته). وتابع حديثه للأمير: (العلاقة بين القصر والجرس لا تزال قائمة علي المبدأ ذاته حتي اليوم. إنها تقول لنا إن الصدام بين المسيحية والإسلام الذي كان لا يزال قائما. هل فهمت اللعنة التي أقصدها). وفوق ما في القصر من لعنة، أصر سلاٌم علي اعتباره رمز احتلال عربي بربري للأندلس. مؤكدا أن فتحا إسلاميا لتلك البلاد لم يكن أكثر من وهم سقط مبرره الأخلاقي بابتعاد العرب عن نشر ثقافتهم الدينية وتسامحهم طوال تسعة عقود من الزمن. الأندلس كانت الاستثناء الوحيد في التاريخ العربي والإسلامي التي يطرد منها العرب ودينهم دفعة واحدة. هكذا يري سلاٌم أن إعادة بناء الحمراء واستنساخها، بما تنطوي عليه غايات الأمير إن هي إلا محاولة لتكريس صدام بدأه العرب باحتلال أرض ليست من حقهم، وينبغي لهذا الصدام أن يتوقف. وعقب سلاٌم قائلا: »هل أدركت الآن اللعنة التي تسكن ذاك القصر. إنه صدام الجرس مع القرآن! قبل أن نبني الحمراء مرٌة أخري، علينا أن نطهٌر أنفسنا، حان للمعركة أن تنتهي، لن ننتصر علي أحد، لن ينتصر أحد علي أحد: لأنٌه لا يمكن أن نحيا من دون آخر نستمدٌ منه بقاءنا، الأشجار الكثيرة هي ما تصنع حديقة جميلة، كذلك الأديان، كلٌها تقرٌبنا إلي الله، وكلٌها تصنع إنسانا صالحا وحديقة جميلة«. ويسأل الأمير: ما دواء هذه اللعنة؟ يجيب الشيخ المغربي: (أن يبني لك الحمراء في الرياض من بني الحمراء في غرناطة!). يسأل الأمير: أتقول إن من بني الحمراء والقادر وحده علي إخراج القصر من لعنته هو إنسان لا يزال علي قيد الحياة حتي الآن؟!!! يجيب الشيخ: نعم قال والدي إن عمره يوم رآه كان ستين عاما، لكن شيوخا قالوا: ثمان مئة عام أو يزيد!!! سأل الأمير: هل لهذا الرجل من اسم؟ أجاب الشيخ: سلاٌم وأضاف: ابحث عن سلام أيها الأمير، ابحث عنه، هو وحده من يجحرر القصر من لعنته! وتمتم الأمير: نعم يستحق الحمراء كل جهد، سيكون قصرا لا يملك مثله أحد!!!. >>> الرواية تدعو إلي التصالح مع الآخر الغربي وتؤكد أن العلاقة بين الإسلام والمسيحية يجب أن تقوم علي التحاور لا التصادم. وجاءت نهاية الرواية مفتوحة وغامضة وملغزة مثل الأحداث تماما. فما الذي يحويه هذا الصندوق الصغير الذي وصل للأمير علي قصره في الرياض من الشيخ المغربي؟!!! هل يحوي الصندوق مثلا كتاب التاريخ الذي ظل يحمله الشيخ المغربي ابن برجان طوال فصول الرواية؟ أم يحوي الصندوق مفتاح قصر الحمراء الذي تعب من حمله الساروتي أو سلاٌم؟ وأراد أن يستريح منه!!! أم يحوي الصندوق خريطة أسرار قصر الحمراء حتي يستعين بها الأمير عند بناء قصره بالرياض؟!!! أسئلة كثيرة تركها الكاتب بلا إجابات حتي يجيب عليها كل من يقرأ هذه الرواية. [b]
الكتاب: سلاٌم المؤلف: هاني نقشبندي الناشر: الساقي
[/b] | |
|