إنشغل الرأي العام المصري في الأيام الأخيرة , في أمر بالغ الحساسية , وشديد الخطورة , ألا وهو مناقشة قانون نقل الأعضاء الجديد , وإتسم الصراع بين المؤيدين والرافضين بمحاولة كسب النقاط , واصباغ المعارضين , إما بالرجعية , أو التزمت , ولجأ المعارضون بدورهم الي ابعاد اجتماعية وخيمة للقانون , في ظل الازمة العالمية , ولعب الاعلام دورا كبيرا اتسم بالتبعية التامة لهوي النظام , ورجال الاعمال الذين يروجون للمشروع , دون ان يشعروا , فسلطوا الضوء علي الناحية الفقهيه في القضية , وتغافلوا عن اهم واخطر الابعاد المحتملة, الا وهي الإتجار بتلك الأعضاء لصالح فئة معينة , تتهمها فئات المجتمع كلها بالجشع والإستقواء , والبحث عن المنافع المادية , دون ضوابط , في ظل نظام عالمي ومحلي , يتحكم فيه بكل قوة رجال الاعمال , وأصحاب المنفعة.
وهناك سؤال مهم يجب ان يسأله الناس ,لأنه في الحقيقة مربط الفرس , فمن سيشرف علي هذه العملية المكلفة؟ , و هل سيتم التصرف في الاعضاء المتبرع بها , وفق معايير معينة , أم ستكون سلعا تباع لمن يدفع أكثر؟, والتي من الممكن أن تدر علي الحكومة أموالا بالغة , في ظل نظام يبحث عن الموارد , خاصة لو عرفنا ان معظم القرارات التي صدرت في العامين الأخيرين اتسمت بالمطالبة باقرار ضرائب و رسوم جديدة , أو البحث عن موارد , كان اخرها قانون تسجيل الادوية بوزارة الصحة , والمحاسبة الضريبية للصيادلة و مشروع الصكوك وبيع البنوك , والتي اتت بعد عمليات بيع غير مدروسة للمصانع المصرية ضمن برنامج الخصخصة , والذى اٌقر في الأساس لبيع الشركات الخاسره , فإذا به يبيع الشركات الرابحة بربع أثمانها, لرجال الأعمال النافذين .
واللافت للنظر والذى لم يتحدث عنه أحد أيضا, أن هذا القانون مطبق فعلا علي بنوك الدم بصورة ضمنيه , فمن يتبرع له الحق في أن يحصل علي الدماء وقتما يحتاجها , لكن في الحقيقة الكلام شىء والفعل شىء اخر , فبرغم ان اى شخص قد يتبرع عدة مرات , الا انه عندما يحتاج الي الدم , فسوف يصطدم طلبه بالرفص بحجج عديدة, اهمها عدم وجود فضيلة الدم المطلوبة , أويطلب من ايجاد بديل للدم الذى سوف يحصل عليه , عن طريق متبرعين جدد , وهو امر معروف , في جميع مراكزنقل الدم في مصر.
وما لا افهمه لم يصر النظام علي هذا القانون , بهذه الصورة , في الوقت الذى تتهم فيه كثير من المراكز العلاجية المملوكة لرجال الاعمال بالاتجار بالاعضاء , بالاكراه مرة , وبالتحايل مرة اخري, وفي الوقت الذى انعدمت الثقة بين المواطن والنظام , فكثرت الاحتجاجات والاضرابات , بصورة ملفته , نتيجة القرارات المتسرعة , والغير مدروسة , و الاولي من السادة المسئولين , ان يوقفوا هذه الجرائم التي ترتكب بحق الاصحاء , قبل ان ينظروا كيف يجدوا حلا جديدا للمرضي لا يستخدم الضعفاء والفقراء كقطع غيار للاغنياء , وكان اخرها قضية خطف وبيع اطفال مصريين كقطع غيار, والمتهم فيها عصابة يتزعمها بعض الاجانب داخل الاراضي المصرية.
عصابات نقل الاعضاء من فقراء الاحياء موجودة فعلا, ولم تعد مقصورة علي العصابات بالمعني المعروف لدينا, ممن يستخدمون البنادق والمسدسات , بل تخطتها الي المراكز العلاجية , وكثير من المراكز العلاجية اتهمت صراحة بذلك , بعضها اغلق والبعض الاخر لم يحدث له شىء, لان له يد طولي في البلاد, وسلطانها اقوي من الفقراء , ومن الطبيعي ان تتلاعب تلك الكيانات الفاسدة بالفقراء , خاصة بعدما تصدر الشيخ سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر , والذى أكن له كل احترام وتقدير , بالإفتاء بجواز نقل الأعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام دون اذن , وهو أمر أختلف مه فضيلته فيه لدواع اجتماعية , فكيف نسمح لأنفسنا بالحكم مرتين علي شخص في نفس القضية؟ , ونحن نعرف ان قبوله بالتبرع وهو غير كامل الاهلية , قد يشوبه بعض الشوائب , خاصة بعد تعدد البلاغات بوجود خروقات حقوقية , وتعذيب داخل أماكن الاحتجاز .
حتي الاسلام رفض معاقبة الجاني بعد تطبيق العقوبة عليه , ولنا في قصة المراة التي زنت خير مثال عندما رد النبي غيبتها قائلا لمن سبها والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم , اذا فتطبيق الحد تطهير . وهو الاصل التاريخي لقاعدة عدم معاقبة المتهم علي جريمة مرتين.
ولو تحدثنا عن المحكوم عليهم بالاعدام وحدهم , فسوف نكون قد انضممنا الي طابور المغيبين للشعوب , والضاحكين علي الناس , فالقانون يبيح نقل الأعضاء من المتوفي , وفي ظل أزمة ضمير , وفقر وكساد , سوف يكون من الممكن أن بيع احدهم أعضائه من أجل تامين مستقبل اولاده , قبل القدوم علي الانتحار , أو القتل من أجل بيع الاعضاء والتي ستدر دخلا كبيرا علي البائع , ومنفعة اكبر علي المشتري , لعدم وجود ضوابط صارمه , و الفتوي برغم شرعيتها, والتي لا اعترض عليها , الا انها ستفتح بابا جديدا للتحايل , وبيع الاعضاء , والابتزاز لصالح الاغنياء, ومن له سلطان سوف يتمكن بكل بساطة من الوصول للمتبرع , ولا عزاء للفقراء , في ظل ازماتهم المتواصلة الاقتصادية , والاجتماعية , والدينية , والتي تسبب فيها كلها طبقة الاغنياء ورجال الاعمال , ممن وصلوا لمراكز صنع القرار , فيجب في حال إقرار هذا القانون ان يتسم بالصرامة والثبات حتي لا يصبح مرتعا للاعبين , وتجار الاعضاء البشرية, والله نسال الخير لأمتنا العربية والأسلامية
ع م ا د ر ج ب م ج ل ه ا ل ع ر ب