ــ نعم صحيح هناك فساد، ومسئولون فاسدون، لكن من الأفضل ألا يرحلوا وألا يتغيروا ويأتي غيرهم.. ليه..؟ قلت لي ليه.. لأنهم سرقوا حتي شبعوا وخلاص لن يأخذوا أكثر مما أخذوا، بعكس الآخرين الذين قد يأتون بدلاً منهم.. إزاي؟، قلت لي إزاي.. الجديد الذي سيتولي منصبًا جعان لسه لم يلمس الفلوس ولم يذق طعم الثروة، والأبهة والجاه ولم يعرف معني الملايين بعد، إذن لديه طموح وأمامه فرصة كي ينهب وينهب وينهب، حتي يتعب ويشبع.. إذن ما المصلحة في أن يأتي مسئولون جدد ليسرقوا من الأول، بعدما سرق المسئولون السابقون من الآخر؟
أسمع هذا الكلام كثيرًا حتي أكاد أحيانًا أجن.. وأصدقه.
صحيح..
ما دام كله بيسرق «فحرامي تعرفه أحسن من حرامي ما تعرفوش»!! وحرامي محترف وشبعان «أحسن من حرامي بيلطش وجعان»!!
ثم أعود وأقول يا نهار أسود، إلي هذا الحد انقلب المنطق واشتد السواد عتمة.
إن هذا المنطق السائد لدي قطاعات من الناس كثيرة جدا في مصر يعكس الآتي:
اليأس التام من القدرة علي تغيير كرسي وكنبة وليس تغيير رئيس أو وزير، صرنا كلنا نؤمن بأن التغيير سنة الحياة لكن مسئولينا لا يعرفون «السنة» ولا «الفرض» إنهم مثل الشمس والقمر والزلازل والبراكين ظواهر طبيعية من المستحيل تغييرها.
إنه يأس من إمكانية التغيير ثم عجز عن أي أمل في جدوي هذا التغيير.
ثم طبعاً استسلام لا لبس فيه لواقع الفساد المستشري في أجهزة ومؤسسات الدولة وهي أكبر وأعم وأهم.
والأخطر إذن أن الناس لا تعتقد ــ إزاء كل هذا ــ أن في إمكانها أن تغير وتأتي بمسئولين جدد بدلاً من المسئولين الحاليين، مسئولين لا يستطيعون أن يسرقوا أو يفسدوا، أو لو فسدوا وسرقوا يمكن لهذا الشعب أن يحاسبهم ويحاكمهم ويعاقبهم، بل يسجنهم ويطيح بهم خارج السلطة وخارج الحياة أساسا.
من المهم أن يعرف الناس أن في أيديهم أن يغيروا ثم في أيديهم أن يأتوا بمن يريدونه من مسئولين، ليس كي يمنحوا كل مسئول عزبة مصر ليملكها فيسرقها، بل يمنحوا كل مسئول توكيلاً لإدارة ممتلكات الشعب، ثم يمكن أن نرفده ونعاقبه لو سرق.. مصر عزبة فعلاً الآن، وكانت عزبة بالأمس، لكنها عزبة نحن أصحابها وليس ناظر العزبة ولا الخولي الذي يسرقنا ويمص دمنا ويحصل علي أختام أنفار القرية ليغش في الأجور، ويسرق عرق الناس.
نحن أصحاب هذه العزبة.
نخلها وأشجارها وجميزها وغيطانها وقطنها وقططها وحمامها ومحاصيلها، وهم ــ أي المسئولين ــ مجرد أنفار لدينا، نبدلهم ونغيرهم نحن ــ أصحاب العزبة ــ ولا يملك أحد أن يتحكم فينا، فقط نحن الذين نستسلم ونيأس ونعجز وننام كالفراخ في العشش ونتركهم ينعمون بعزنا وبحليب وطننا، أنتم الذين تصدقون المسئولين عندما يقولون لكم إن الفساد في كل بلد حتي في اليابان وإيطاليا وأمريكا، كل الدول فيها فساد، تصدقون هذا الكلام الفاضي.
طيب الفساد صحيح في كل الدنيا، حتي اليابان ياخويا، لكن هناك يكشفون عن الفساد ولا يحمونه؛ فالوزير الفاسد يحاكمونه ويجرسون سوءات أهله و«يطلعوا روحه» ويدخلونه السجن ويردون أموال الشعب، الفساد في كل الدنيا صحيح لكن الدنيا لا تحمي الفساد ولا تسكت عنه، ومابتدلعش المسئولين عن مسئولين فسدة، مثل المساخر والمآسي التي تحدث في مصر الآن، حيث يظهر فسدة في وزارة، فيحتضن ويدعم ويصاحب ويصحب نجل الرئيس وزير ظهر فساد عرموم من مسئولين في وزارته(!!) ، ثم الفساد في كل الدنيا، والديمقراطية والحرية وتداول السلطة أيضًا في كل الدنيا، لماذا نأخذ من الدنيا الفساد ولا نأخذ منها تغيير القيادات والديمقراطية وحساب المسئولين وكشف ذمم الوزراء والمديرين؟!
تقولون لنا هناك فساد في اليابان وهل نحن أقل من اليابان؟.. طيب في اليابان الوزير الذي يضبطونه بيسرق بينتحر فورًا.. انتحروا إذن لو عايزين تبقوا مثل اليابان.
نقلا عن أ/ ابراهيم عيسى