العرب الذين يتشاورون الآن يروحوا قمة الدوحة أم يقاطعونها «لأنهم مخاصمين أمير قطر ومقموصين من رئيس وزرائها» يشبهون طلبة جامعة متخانقين مع بعض من أجل محاضرة أو رحلة وقرروا ألا يعزموا زميلهم علي حفلة أو يقاطعوا عيد ميلاد صديقهم لأنه غلس وهوه اللي خد الموبايل بتاع كريم وخباه وخلي شكل هيثم قدام الشلة وكأنه هوه اللي سرقه وبعدين قال إنه كان بيهزر.. فوالله ووالله يا أونكل ما حد رايح الحفلة بتاعته !
علي هذا النحو تقريبا يبدو تصرف بعض مسئولي الأمة العربية وكأنهم أصحاب في جنينة الكلية، وليسوا قادة مسئولين عن دول، طبعا ولا واحد فينا انتخب واحدا فيهم، وكلهم حكام مستبدون وديكتاتوريون، اللي عامل فيها معتدل أو فاكر نفسه ممانعة، ثم مؤتمر القمة لا شافع ولا نافع، حضروا أم غابوا، لكن المذهل أن هذا يجري في توقيت تبدو فيه الديمقراطية الإسرائيلية في أزهي أوقاتها. نعم الانتخابات الإسرائيلية أنتجت أغلبية متطرفة لكن كل الأحزاب الإسرائيلية بالنسبة لنا متطرفة وصهيونية ومن ثَمَّ لا يفرق معنا شالوم من ناعوم، لكن الأهم هنا أن الشعب الإسرائيلي هو الذي اختار هؤلاء ولم يأتوا في انتخابات مزورة ولا مزيفة، ولا أشرف عليها جهاز أمن الدولة، ولا طلع فيها الحزب الوطني بأغلبية ساحقة ماحقة. نعم هؤلاء أعداؤنا، ولكنهم أشرف ديمقراطيا من حكوماتنا مع شعوبهم فلا يركبون وطنهم بمواطنيهم ولا يزورون أصواتهم ولا يحتكرون مقاعد الحكم ولا يستخفون بإرادة شعوبهم، إذن المشهد عند أعدائنا ديمقراطي تماما (قلنا مليون مرة قبل كده إن احتلالهم للأرض العربية حاجة وإنهم ديمقراطيون بينهم وبين نفسهم حاجة تانية ) أما الحال عندنا فهو هباب مهبب من الاستبداد والفساد والجمود واحتكار السلطة وتزوير الانتخابات وتفصيل القوانين واللعب في الدستور وبه، والبقاء الأبدي في مقاعد السلطة، ثم علي الناحية الأخري نري في تل أبيب جميع التيارات ممثلة في الانتخابات وفي الحكم الائتلافي تقريبا، وكل الخصوم والمتنافسين يتحاورون مع بعض ويلتقون ببعض ويتفاوضون مع بعض، لا حجب لأي تيار بما فيه المتطرف أو العنصري، ولا يوجد طرف مستبعد ولا مهجور ولا محظور، بينما عندنا مثلا في مصر حزب وطني يتحكم في البلد واللي فيها، ثم كل ما يشغل هذا الحزب الغريب العجيب ورجاله وقادته أن يستبعدوا أي أطراف غيرهم وألا يسمحوا إلا بأحزاب الهشاشة التي تعاني من الكساح الجماهيري والاسقربوط السياسي. يقاتل الحزب الوطني وحكام مصر ونجل رئيس مصر لإلغاء حزب «الغد» برئاسة أيمن نور؛ لأنه لا يطيق المنافسة ولا المواجهة ولا يفهم في الحوار ولا القبول بالاختلاف ولا بالتحالف السياسي أو الائتلاف الحكومي، كما يضرب جماعة الإخوان كل يوم بكل قسوة وفظاظة ويقبض كل ليلة علي ما لا يقل عن عشرة من أعضاء الإخوان كأنما يستعد لمسح وجودهم من علي الخريطة في انتخابات العام القادم، ثم هو حزب يحارب حركة «كفاية» وكل الوجوه القادرة علي جذب الجماهير والاستحواذ علي أصوات تمكنها من مجابهة الحزب الحاكم. في إسرائيل لا يتركون حزبا بلا تمثيل ولا مشاركة في الحكم أو في البرلمان أو في إدارة الدولة، بينما عندنا احتكار مطلق للسلطة واحتقار كامل للتيارات وللأحزاب وللمعارضة، ثم حكام بلدنا أنفسهم الذين يختلفون مع حكام قطر أو سوريا فيقررون ألا يلتقوا بهم أو عدم الذهاب للقمة، وكأن الموضوع شخصي وكأنهم متخاصمون كأصدقاء وأصحاب وليسوا قادة دول. الحقيقة أن ضرورة اللقاء بين المسئولين والسياسيين تكون أكثر وضوحا وحتمية عندما يتخاصمون ويختلفون ولا حاجة لنا بأن يلتقوا ويقهقهوا أمام الكاميرات مع بعض، فلا شيء في أوطاننا يستحق الضحك إلا إذا كانوا يضحكون علينا، ففي هذه الحالة تحديدا يبقي عندهم حق