ألم تسأل نفسك أبدًا ما حدث في مصر بعد أن غرق فرعون موسي؟
نعلم أن موسي عليه السلام شق البحر (ناس تقول البحر الأحمر وناس تقول البحر الأبيض) وعبره فارًا بدينه وأهله من جبروت فرعون وجيشه، وحين دخل فرعون إلي الأرض التي شقها موسي بعصاه في البحر عادت مياه البحر فأغرقته، لا أظن أن أحدًا في البشرية لا يعرف هذه القصة، لكن السؤال الذي لم يسأله أحد في الغالب: ماذا جري لمصر بعدها، أهو يا سيدي فرعون غرق وغار في ستين داهية ومعه عدد لا بأس به من جحافل جيشه، فهل تغير شكل ونوع وكيفية الحكم في مصر؟، هل استمرت الفرعونية بنفس الثالوث الشيطاني، فرعون (الطغيان) وقارون (المال) وهامان (كهنوت الدين وسحر الإعلام) أم تبدلت مصر وتحولت من الفرعونية الظالمة والمستبدة إلي حكم عادل حر؟
الإجابة عن هذه الأسئلة هي اجتهادات تصيب وتخطئ، لكن الثابت أن الفرعونية استمرت والحكم بقي علي حاله المستبد الفاجر والشعب بقي علي وضعه الساكت الساكن!
وهذا يقودنا إلي السؤال الذي ينتقل بنا من التاريخ والجيولوجيا إلي الحاضر والسيكولوجيا، كيف تتحول مصر إلي الديمقراطية؟ ولاحظ هنا أنه حتي نظام مبارك يعترف في بيانات وخطابات وحوارات كثيرة بكلمة التحول الديمقراطي ويقولها باعتباره يفعلها، فهو نفسه يعترف بأنه ينتقل من مرحلة واضح للأعمي أنها استبدادية إلي الديمقراطية، لكنها ديمقراطية علي طريقة نظام مبارك التي قلتها أحسن والتي تذكرك بنجيب الريحاني عندما سألته ماري منيب وهي تشير متأففة إلي بطيخ علي مائدة السفرة: وإيه ده؟ فرد عليها الريحاني: ده عنب بس من تغفيلهم هنا بيقولوا عليه بطيخ، وهكذا فالدولة تمارس الاستبداد والطغيان بس تريدنا أن نقتنع بأنه عنب، ثم إن الحزب الحاكم لا يكف عن الثرثرة اليومية بجملة (عملية الإصلاح) وهو اعتراف كذلك بأن هناك ما هو معووج وفاسد وعطب بيصلحوه، صحيح أنهم بيعموها بدلاً من أن يكحلوها لكن تعمل إيه في طبيب بيطري مصمم علي علاج مريضة ولما تسأله: كيف تكشف وتعالج سيدة وأنت طبيب بيطري؟ يرد عليك: أصلها زي الغزال، هكذا من يصلح مصر طبيب بيطري بغزالة يعالج بلدًا فاكره غزالاً.
يبقي أن أشكال التحول الديمقراطي في العالم كله كما شرحها لنا الباحث الرائع معتز بالله عبدالفتاح في كتابه (المسلمون والديمقراطية) تتلخص في: أولاً تحول ديمقراطي في أعقاب ثورات اجتماعية، ثم هناك ثانيًا التحول تحت سلطة الاحتلال أو بالتعاون معه، ثم التحول الثالث عن طريق موت حاكم مستبد أو هزيمة عسكرية فتأتي للحكم ناس محترمة إذ فجأة وتدير عملية التحول الديمقراطي، والطريقة الرابعة هي عندما تجري السلطة المستبدة الفاسدة بعض الإصلاحات لزوم التجمل لكن المعارضة تستخدم ثم تستغل هذه التمثيلية وتحولها إلي ديمقراطية جادة وجذرية، ثم خامسًا التحول الديمقراطي عن طريق الملل حيث يزهق الرئيس فيتنازل طواعية عن الحكم وتتسلمه معارضة إصلاحية ديمقراطية.. ويبقي السؤال: أي من هذه الطرق يمكن لمصر أن تتحول بها للديمقراطية؟
أولاً، هناك طرق غير مطروحة مصريًا إطلاقًا مثل ديمقراطية تحت الاحتلال، فمصر التي في خاطري وفي فمي لن تشهد بإذن الله احتلالاً أبدًا وتغور الديمقراطية لو عن طريق الاحتلال، ثم طريق تنازل الرئيس طوعًا أقرب إلي الخيال في مصر فمن المستحيل أن يتنازل الرئيس عن الحكم ولا أن يسلم البلد لديمقراطية حقيقية، ثم طريق الإصلاح الذي تتخذه السلطة للتجمل والتجميل أمام الخواجات وتستغله المعارضة فهذا صعب للغاية في بلدنا لأن إصلاحات السلطة شكلية تمامًا وقشرية ومتفصلة علي مقاس المستبدين وأعوانهم، ومن ثم فلا تترك ثغرة كي يفوت منها طابور نمل، ثم إن المعارضة كذلك منقسمة بين معارضة يقودها أمناء شرطة ومندوبو داخلية وأخري معارضة محترمة لكنها ممنوعة عن جماهيرها ثم جماعة الإخوان المسلمين وهو تنظيم مغلق علي حساباته يتحرك حين لا ينبغي أن يقوم من مكانه و«يتشل» حين يفترض أن يجري من مكانه، ثانيًا يبقي طريقان يمكن أن تختار أنت من بينهما وهما قدامك كما شرحنا، لكنني أفضل الطريق الثالث فأنا لا أحب طريق صلاح سالم ولا طريق عمر مكرم وأحب أطلع علي الطريق الدائري
جريدة الدستور